ماذا أقول للسيد باتريك والفتى الذي يرتدي فستانا؟

نرمين مجدي بدر

22-10-2025

(من وحي فيديو منتشر على مواقع التواصل)

شعر الأستاذ باتريك وكأن عشا كاملا من النحل سقط فوق رأسه واتخذت كل نحلة موضعا فوق جلده الأبيض، ثم غرست نصلها الحارق داخله، فانتفض متألما واندفع يطرق باب جيرانه طرقا أسمع الحي النائم بعد منتصف الليل.

خرج ضوء من الشباك وتتابعت خطوات السيدة بيرجيت للباب. حيت السيد باتريك: " باتريك مابال وجهك، هل أنت بخير؟".

هز رأسه وانفجرت من فمه الكلمات: "لا ، كيف أكون بخير وابنك يرتدي الجونلة".

حملقت بيرجيت فيه: "أعتذر منك سيد باتريك ولكن ما علاقة جونلة ابني بحالتك المزاجية، أرجو أن لا يكون قد فعل ما يسيئك".

خبط برجله أرضا وصاح: "أغضبتني الجونلة ألا تفهمي يا سيدتي!" احتارت بيرجيت وحاولت الاستفهام: "أنا فعلا لا أتبين سيدي كيف أغاظتك جونلة يلبسها صبي في الثامنة من عمره لهذه الدرجة، لقد طلبوا منهم في المدرسة كما تعلم أن يرتدوا أشياء يحبونها".

تنفس باتريك مرتين ثم قال: "أعلم ذلك ولكن الولد يتوقع منه أن يلبس كبطل خارق أو كلاعب كرة أو أي شيء مما يحبه الصبيان الطبيعيون، لكن أن يلبس كالفتيات هذا ما سيودي بي للجنون".

ابتسمت السيدة بيرجيت وهمست له: "سيدي هو يحب الجونلة لذلك لبسها أرجو أن لا تسمح لهذا الفعل الطفولي أن يغيظك هكذا".

رجعت للخلف من رذاذه لما انفجر قائلا: "يزعجني أيما إزعاج، عندما لبس ابنك الجونلة وخرج بها إلى الشارع، رآه ابني ستيف فقال لي:"يا بابا أريد أن ألبس جونلة مثل صديقي" ….تحشرج الكلام في فمه ثم أكمل: "هل فهمت الآن لماذا استشيط غضبا، دعي ابنك يلبس ما يشاء داخل غرفته ولكنه عندما يخرج إلى الشارع هكذا، يراه أولادنا ويرغبون في الاقتداء به".

لم تعجب كلمة "هكذا" السيدة بيرجيت فقالت بهدوء : "هل أخبأه من الناس لأنه يلبس الجونلة، سيكون هذا فعلا غير تربوي يا أستاذ، أين إذن حرية التعبير عن الرأي؟".

في تلك اللحظة دارت الأرض بالسيد باتريك وصرخ: "مابال العالم ، الرجل رجل والمرأة مرأة هل جُن الناس من حولي!، وأنت يا سيدة كيف تتحدثين عن التربية ، وتغفلين واجبك الأمومي ولاتعرفين ابنك أن الله خلقه ذكرا ولم يخلقه أنثى".

أدار ظهره لجارته ورجع يضرب كفا بكف، فهما كقاربين في البحر أحدهما يتجه للشمال والآخر للجنوب ولا يمكن أن يلتقيا.

وها أنا أقول للسيد باتريك، مالا تعرفه يا سيدي أن ابنك ان لم يقلد صديقه الذي يلبس الجونلة قد يقلد دينيس الذي يلبس الفستان في كتاب (الفتى الذي يلبس فستانا) للكاتب الانجليزي ديفيد وليامز والذي باع أكثر من نصف مليون نسخة حول العالم وقرأه ما يقارب المليون طفل كما تم انتاجه كفيلم .

لذلك فما أقترحه عليك هو أن تحصن ابنك إزاء ما يحدث حوله بالحوار والنقاش لأن الواقع كما قلت بالضبط أن الدنيا لم تعد الدنيا التي نعرفها.

وسأحكي لك ماحدث مع ابني وهو في العاشرة من عمره، هو يحب سماع الكتب على تطبيق "ستوري تيل" وممن يحب كتبهم مثل الملايين من الأطفال هو ذلك الوليامز، فإذا بابني في يوم يقول لي: "يا ماما من فضلك، أريدك أن تقرئي كتاب The boy in the dress

وفهمت مباشرة الأمر وبالفعل قرأت الكتاب الذي أمتعني بأسلوبه ونكاته وتسليت وأنا أقرؤه ولا أخجل من قول ذلك فهو حقيقي ونعرفه كلنا عندما نشاهد أو نقرأ مايتعارض مع قيمنا وديننا ونستمتع به بالرغم من ذلك.

اختلط ضحكي في الكتاب بحرقتي من عجزي عن التصدي لهؤلاء المخابيل الذين يعشقون تحدي الفطرة ويحبون أن يغيروا ما خلقه الله، بل ويدسون السم في العسل لأطفالنا.

الحمد لله لم نرغب أنا ولا ابني في تقليد دينيس! ولكن أحببنا أن نتحاور فعرفت منه ما فهمه من القصة أولا ثم سألته عن ما أعجبه وما لم يعجبه.

وسألته لماذا برأيه أراد دينيس أن يتحدى كل مجتمعه ومدرسته ويثبت نفسه بارتداء فستان، هل لارتداء الفستان هذا السحر حقا؟

وتحدثنا عن الإسلام الذي أعز الإنسان وكرمه وكيف أن الله خالقنا أمرنا أن لا يتشبه الرجال بالنساء ولا يتشبه النساء بالرجال ثم سألته عن رأيه في الحكمة من ذلك؟

وتكلمنا بعدها أننا إذا عرفنا أن صبيا مثلا يريد أن يرتدي فستانا لابد أن نسأل أنفسنا لماذا أراد ذلك من الأساس؟ وهل قد تتطور عنده المسألة بعد ذلك لأن يرفض كل ما هو ذكوري(أي يرفض فطرته) ويقبل على عكسها؟

ووصلنا أنا وابني أن هذا ليس شرطا حدوثه، فقد يفعل أي طفل شيئا بوازع السن ولا يقصد به إلا اللعب وهنا يأتي دور الأهل الذين يحتضنون الطفل ويوجهونه.

ثم كان بعد ذلك لابني رأي وهو أن الكاتب أراد أن يقرب للأطفال ويزرع في نفوسهم التمرد الجنسي وكسر القيود العرفية والدينية.

وعندما أعجبني رده وسألته مادليلك على هذا الظن بالكاتب؟ قال لي أن في نهاية الكتاب سنكتشف أن مدير المدرسة الذي حول حياة دينيس إلى جحيم طوال القصة ومنعه من دخول المدرسة بالفستان هو أيضا يستيقظ كل يوم مبكرا ليتنكر في هيئة سيدة ويلبس فستانا وشعرا مستعارا وحذاءا بكعب عال ويتجول بهم في سرية في الحي، وعندما ضبطه دينيس وصديقته هدداه بالفضيحة إن لم يسمح لدينيس بارتداء الفستان يوميا بالمدرسة، فانصاع هذا المدير اللاأخلاقي للتهديد.

فانتهت قصة الكتاب بتدمير الرمز الأخلاقي الذي رفض تشبه الفتى بالنساء بل وجعلته منافقا يرفض أن يسمح للصبي بما هو يفعله يوميا في الخفاء.

فثبت بذلك القصد السيء من الكاتب.

.